تحت عنوان (تسليع المريض) كانت افتتاحية العدد (22) من مجلة سلامتك، حيث تناول رئيس تحريرها الطبيب الاستشاري ضرغام الأجودي ظاهرة منحرفة أطلق عليها تسمية (تسليع المريض)، وتعد هذه التسمية مصطلحا جديداً يتناول ظاهرة التعامل مع المريض على أنه سلعة تباع وتشترى، بدلاً من اعتباره إنساناً له حقوق معلومة، وإليكم نص المقالة:
للأسف الشديد تظهر في المجتمع بين الحين والآخر ظواهر منحرفة، بعضها ينحسـر بمرور الوقت، وبعضها يستفحل عندما لا يجد رادعاً يردعه.
هذه الظواهر لا تنحصـر بفئة محددة، فتجدها تصيب مختلف شرائح المجتمع، حيث لا يمنعها مقدار العلم والمعرفة التي يمتلكها الفرد من الوقوع في فخاخ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، لأن الرادع عن الانحراف بعد لطف الله تعالى يتكون من مجموعة عوامل، منها التربية والجو الأسري الذي نشأ فيه الفرد والبيئة المجتمعية المحيطة به، وكذلك منظومة القيم والأخلاق التي يؤمن بها الفرد، والتي تشكل بمجموعها الصوت الداخلي الرادع عن السوء، أو ما نسميه الضمير أو الفطرة الإنسانية السليمة، التي تدعو الفرد لفعل الخير والرحمة والمساعدة والايثار، وتمنعه من الظلم والفحش والأنانية والسوء.
ومن بين الظواهر المنحرفة التي برزت مؤخراً ظاهرة (تسليع المريض)، ونقصد بها تحويل المريض إلى سلعة تباع وتشترى يتاجر بها عدد من عديمي الضمير، ورغم أن المتورطين بهذه الظاهرة المنحرفة نسبة ضئيلة من الأطباء والصيادلة والدلالين، لكن لابد من التحذير منها للقضاء عليها قبل أن تتفاقم.
حيث يتم بيع المريض دون علمه من قبل الدلالين – وهم فئة من المتاجرين بمعاناة الناس – إلى طبيب حنث بقسمه الطبي وخان أمانته المهنية، فيقوم ببيع المريض مرة أخرى إلى مختبر طبي أو صيدلية أو عيادة أشعة أو مفراس … إلخ.
ينتشـر الدلالون في ردهات الطوارئ في المستشفيات الحكومية والشوارع المؤدية إلى العيادات الطبية الخاصة، حيث ينتحلون صفة الناصح الشفيق وفاعل الخير، فيخدعون المريض وذويه ويقتادونه الى عيادة طبيب منحرف يشتري المريض منهم بمبلغ يتراوح بين 10-30 ألف دينار، وبدوره يبيع المريض الى مختبر غير موثوق مقابل مبلغ مالي قد يكون نصف مبلغ التحاليل والفحوصات، وقد يبيعه أيضاً إلى عيادة أشعة مقابل 15 ألف دينار أو مفراس مقابل 25 ألف دينار وغيرها من الأمور التي قد لا يحتاجها المريض أصلاً، وفي النهاية يجبر المريض على مراجعة صيدلية معينة مقابل مبلغ مالي آخر.
الممارسات أعلاه يجب تفريقها عن النصيحة البريئة والنزيهة التي يسديها الطبيب – غير المتعامل مع الدلالين – دون إجبار في مراجعة مختبرات أو عيادات تخصصية تتمتع بالموثوقية والدقة أو تتوفر فيها فحوصات غير متوفرة في غيرها.
إن هذه الممارسات المنحرفة ممنوعة في قانون نقابة الأطباء ولا يرتضيها كل صاحب خلق، لذلك تقوم نقابة الأطباء ولجنة الانضباط في النقابة برصد هذه الحالات القليلة والشاذة ،وتتلقى الشكاوى بخصوصها، وقد عاقبت من ثبت عليه هذه الجرم بغرامات مالية كبيرة، وغلق للعيادات المخالفة لفترات لا تقل عن شهر، وبفضل هذه الجهود تم التضييق على المخالفين وانحسـرت مخالفاتهم لكنها لم تنتهي كليا، لذلك نلفت نظر القضاء العادل والأجهزة الأمنية المختصة إلى أن ظاهرة (تسليع المريض) هي أحد أنواع الاتجار بالبشر، ونأمل منهم بذل جهود حثيثة وجدية في مكافحة هذه التجارة غير المشروعة.
ويبقى العنصـر الأهم في القضاء على هذه الظاهرة المنحرفة هو وعي المريض وذويه، فعليه رفض مراجعة أية عيادة يقتاده إليها الدلالون، وكذلك عليه رفض اجباره على مراجعة مختبر أو صيدلية محددة دون غيرها، لأنه عندها سيكون سلعة قد تم بيعها لهم.
في الختام هذه الظاهرة آفة تنخر في الجسد الطبي وتشوه سمعة الأطباء والصيادلة والعاملين في القطاع الصحي، ونعلم جيداً أن الخيرين والشـرفاء هم الأكثرية، أما السيئون فهم القلة القليلة، لذلك ندعو المواطنين إلى تقديم الشكوى إلى نقابة الأطباء حول أي عملية غش يمارسها بحقهم الدلالين ومن ورائهم.
نسأل الله تعالى الهداية للجميع.