في الثامن من أيلول تحتفل دول العالم باليوم العالمي لمحو الأمية، والذي أعلنته اليونسكو عام 1966، وإذا كانت علاقة شعوب الأرض مع هذا الحدث هي 55 عاماً فقط، فإن شعب بلاد الرافدين تربطه مع هذا الحدث علاقة عمرها 55 قرناً من الزمان، فقد عاش الإنسان عدة ملايين من السنين أمياً يجهل القراءة والكتابة، حتى اخترع السومريون الكتابة قبل أكثر من خمسة آلاف سنة على يد (أخنوخ)، أحد ملوك سومر العشـرة قبل الطوفان (الآباء العشـرة حسب التوراة)، وهو نفسه نبي الله إدريس (ع) الذي يعد أول من خط بالقلم على الطين، فالشعب العراقي سبق شعوب الأرض في الانعتاق من الأمية، ومنه تعلم بقية البشـر الكتابة والقراءة، واستطاعت الحروف والمقاطع السومرية الاستمرار لأكثر من 3500 سنة كأبجدية كتابة، وهي بذلك أطول الخطوط عمراً في تاريخ البشـرية، ليأتي الخط العربي بعدها كأقدم خط مازال قائماً حتى اليوم منذ أن وضع الإمام علي (عليه السلام) قواعده قبل أكثر من 1400 سنة.
كذلك نحن كمسلمين لنا علاقة خاصة مع هذا الحدث، فالإسلام دين قراءة، وأول نص سماوي نزل في الإسلام هو ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق). ومعجزة الإسلام هي القرآن الكريم، وهو نصٌ إعجازيٌ مقدس، يمثل أساس الإسلام، وضمان بقائه.
لا ننسـى أيضاً ان أول محرر للبشـرية من الأمية وقائد أول حملة لمحو الأمية في التاريخ هو الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وعلى آله)، حيث استنفر كل الجهود الممكنة في محاربة الجهل، واستطاع بعبقريته أن يحول جيوش أعدائه الى معلمين لصبية المسلمين عندما جعل فدية الأسير تعليم عشـرة صبية بدلاً من الذهب والفضة، وكان الرائد الأول في تعليم النساء، حيث أمر الصحابيات اللاتي يعرفن القراءة (وهن سبعة فقط في ذلك الزمان، منهن الشفاء بنت عبد الله، وعائشة بنت سعد، وغيرهن) بعقد حلقات تعليم القراءة والكتابة للمسلمات.
ولم يكن النبي محمد (صلى الله عليه وعلى آله) أمياً، بل كان عالماً ومعلماً، وسبب تسميته بالأمي كونه نبياً أممياً، أي لكل الأمم بدليل قوله تعالى ﴿وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين﴾. (107 سورة الأنبياء).
إن تعليم البشـر وظيفة إلهية مارسها جميع الأنبياء، بدءاً من أول الأنبياء آدم (عليه السلام) الذي منح الأشياء مسمياتها ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾. (31 سورة البقرة)، وأسماه السومريون (ألو ليم)، أي الرجل العليم الذي سمى الموجودات، وحتى خاتم الأنبياء (صلوات الله عليه وعلى آله) كانوا ينشرون العلم، ويحاربون الجهل والخرافة، إذن التعليم ومكافحة الأمية هي وظيفة الأنبياء (عليهم السلام)، وإن العاملين فيها مجاهدون تحت راية الأنبياء.
هذا النص هو تدوين لكلمة ارتجالية ألقاها الدكتور ضرغام الأجودي نيابة عن محافظ البصـرة في حفل أقامته الحكومة المحلية بمناسبة (اليوم العالمي لمحو الأمية) خلال عام 2022.