جذور مشاكل القطاع الصحي في العراق

يعاني القطاع الصحي في العراق من مشاكل كبيرة مزمنة منذ أربعة عقود من الزمن، عندما تراجع دعم الدولة للقطاع الصحي خلال الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من ضربةٍ قاضيةٍ تلقاها القطاع الصحي خلال ثلاثة عشر عاماً من الحصار الشامل أنهكت القطاع الصحي وسبب له التراجع الهائل الذي مازلنا نعاني منه الى اليوم، حيث إنقطع العراق عن العالم منذ عام 1980، عندما مُنع الأطباء وسائر المواطنين من السفر الى الخارج وجلب التكنلوجيا والمعرفة.

وللأسف بعد احتلال العراق وما تلاه من حربٍ أهليةٍ وإرهاب وعدم استقرار أمني أو سياسي لأكثر من عقد ونصف من الزمن مما تسبب بحرق وتخريب معظم المستشفيات والمؤسسات الصحية واستهداف للأطباء بالقتل والتهجير، فبقي القطاع الصحي العراقي مترنحاً تحت هذه الازمات المتفاقمة والحروب طيلة أربعين عاماً دون ناصرٍ ولا معين، وفي نفس الوقت كان العالم يتقدم بسرعةٍ ويتطور بشكل هائل.

ونستطيع تحديد أهم الأسباب التي تقف بوجه نهضة القطاع الصحي في العراق والتي يمكن أن نسميها جذور المشكلة هي:

1- غياب التخطيط الاستراتيجي العلمي الصحيح للبلد، وخصوصاً للقطاع الصحي، ورغم أهمية صحة المواطنين، لكن لا زلنا لا نجد خطة حكومية للنهوض بالقطاع الصحي، حتى على المستوى الشكلي الذي تقوم به بعض الوزارات من وضع خطط استراتيجية مركونة على الرفوف دون تطبيق.

2- عدم وجود نظام تأمين صحي فعال حتى هذه اللحظة، رغم موافقة مجلس النواب العراقي على قانون التأمين الصحي لعام 2020م. (1)

3- لا يزال العراق يعتمد على نظام الميزانية البند، وهو نمطٌ تقييديٌ غير مرنٍ ولا يرتبط بمستوى الإنجاز على أرض الواقع، والحل هو تغيير نظام الميزانيات هذا إلى نظام ميزانية البرامج والأهداف، حيث يرتبط الإنفاق ارتباطًا وثيقاً بالإنجاز والحاجة الفعلية على أرض الواقع. (2)

4- غياب التمويل الضروري لصمود وتطور القطاع الصحي، فالعراق لا ينفق الا النزر اليسير من الأموال على قطاع الصحة، فمثلاً تنفق الولايات المتحدة الامريكية 20% من ناتجها المحلي الإجمالي على قطاع الصحة، وتنفق بريطانيا وأستراليا 9% من ناتجيهما المحلي الإجمالي، وتنفق السعودية وإيران والأردن ولبنان 3-5 % من الناتج المحلي الإجمالي، بينما العراق ينفق أقل من 1% من ناتجه المحلي الإجمالي، وهو أقل جميع دول العالم باستثناء أفغانستان واليمن والصومال. (3)

حيث يبلغ معدل الإنفاق الحكومي في العراق على القطاع الصحي 154 دولاراً للفرد الواحد سنوياً (4) كمعدل، وهو قليل جداً مقارنة مع جميع دول العالم، فمثلا تنفق البحرين 1190دولاراً، وتنفق قطر 2090دولاراً، وتنفق سنغافورة 2507 دولارات، وتنفق بريطانيا 3405 دولارات، وتنفق ألمانيا وفرنسا وكندا أكثر من 4000 دولاراً، كما تنفق الولايات المتحدة 8508 دولاراً سنوياً كمعدل على الفرد الواحد من مواطنيها (5)، فلاحظ الفرق الهائل بين ما ينفقه العراق وبقية دول الجوار والعالم.

وفقاً للمعطيات أعلاه لا نتوقع أي تحسن في الواقع الصحي العراقي مالم يعاد النظر بشكلٍ جدي في الموازنة العامة للبلاد، فالعراق يحتاج الى زيادة انفاقه الحكومي السنوي على قطاع الصحة الى 15% من الموازنة حكومية كحد أدنى حسب توصيات منظمة الصحة العالمية، أي زيادة الإنفاق الحكومي الحالي إلى عشرة أضعاف كي يتمكن العراق من إحداث تغيير إيجابي ملموس بعد عدد من السنوات.

المصادر:

1- الوقائع العراقية: الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. العدد 4614. ص. 22. قانون التأمين الصحي.

2- الوقائع العراقية: الجريدة الرسمية لجمهورية العراق. العدد 4625. قانون رقم (23) لسنة 2021 الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2021.

3- البنك الدولي. مؤشرات التنمية العالمية 2015.

4- منظمة الصحة العالمية. تعزيز التمويل الصحي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

5- الوضع الصحي في العراق: تحديات وأولويات العمل. وزارة الصحة والبيئة (مايو 2019).


ترجمة لمقالة للدكتور ضرغام الأجودي نشرتها مجلة العلوم السياسية والاجتماعية الأوربية في عددها الصادر في (تشرين الثاني 2022)، ولقراءة المقالة من مصدرها باللغة الانكليزية: إضغط هنا
زر الذهاب إلى الأعلى