الحروب هي أسوء ما يصنعه الإنسان على وجه الأرض، فهي ما استنكرته الملائكة من أفعال بني البشر من سفك للدماء والإفساد في الأرض.
وللأسف الشديد نعيش اليوم في عالم متوحش قائم على شريعة الغاب، بلا مبادئ ولا أخلاق ولا حقوق، يأكل فيه القوي الضعيف، وبات واضحاً وجلياً كذب ونفاق وزيف الدول المستكبرة المتسلطة على العالم حينما ترسل القنابل والأسلحة المدمرة والأساطيل البحرية الى الكيان الصهيوني لقتل الأطفال والنساء والمرضى الأبرياء، ولا تكتفي بذلك بل تبارك منع الماء والطعام والكهرباء والوقود عن الشعب الفلسطيني المحاصر، وتوفر الحماية والدعم اللامحدود للجلاد بكل وقاحة، رغم تصديعهم لرؤوسنا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وغيرها من شعاراتهم الزائفة.
في الحروب تتعطل الحياة وتتوقف الأعمال، لكن فئة واحدة – عدا القوات المسلحة – تكون أكثر انشغالاً وتضحية وهي العاملون في القطاع الصحي من أطباء وممرضين ومسعفين وغيرهم من الموظفين العاملين في هذا القطاع، حيث يعملون في أجواء قاسية نفسياً وبدنياً بسبب بشاعة مشاهد الدماء والجروح والإصابات والحالات المحزنة وما يرافقها من تعب وإرهاق وسهر، فكيف في ظروف استثنائية تحت القصف ونقص الماء وانقطاع الكهرباء وفقدان الدواء واكتظاظ المستشفيات بالشهداء والإصابات الشديدة والأشلاء الممزقة!
هذه المشاهد تذكرني بما عشته كطبيب في المستشفى العسكري في البصرة في مساء أحد أيام شهر آذار من عام 2003 حينما قصفت المدفعية البريطانية الدور السكنية في حي دور النفط دون سبب بوابل من القذائف بشكل مفاجئ لنستقبل خلال نصف ساعة عشرات المصابين من الأطفال والنساء، وبعضهم مبتور الأطراف، أو تتدلى أحشاؤه أو أمعاؤه من بطنه، كان لدينا 27 حالة تحتاج إلى عمليات جراحية فورية، ولدينا فقط 4 صالات عمليات، فأُجريَتْ العمليات الجراحية على الأرض في صالات العمليات أو في الممرات المجاورة لها.
فما أشبه اليوم بالأمس؟! وما أشبه غزة بالعراق! لكننا شعوب لا تموت، يزول الاحتلال كما زال من سبقه، ونبقى شامخين منتصرين رغم الجراح.
- المقال الافتتاحي للعدد (18) من مجلة (سلامتك) التي يرأس تحريرها الدكتور ضرغام الأجودي … لتصفح العدد الكترونياً اضغط هنا