كثر تشخيص اضطراب طيف التوحد في السنوات الأخيرة بشكل متزايد، وأصبح يشكل مشكلة اجتماعية متفاقمة يوماً بعد يوم، فهو اضطراب تظهر أعراضه على الأطفال في سن مبكرة، ويرافقهم لبقية حياتهم لعدم وجود علاج شافٍ له، ويتسبب في عدم قدرة المصاب على العناية بنفسه أو التواصل مع محيطه، وعدم التأقلم والتفاعل مع بيئته ومجتمعه، فيكون منطوياً ومنعزلاً وعاجزاً عن مساعدة نفسه، فيتطلب ذلك رعاية خاصة، ومتواصلة ودقيقة من الوالدين وأفراد الأسرة كافة.
ومما يفاقم الأزمة على الأسرة غياب الوعي والمعرفة بالاضطراب وعدم فهمه من قبل المجتمع، وندرة وجود المؤسسات المتخصصة في رعاية هذه الشريحة في مجتمعنا، حيث يسود الجهل بهذا الاضطراب، ويكثر الدجالون والمراكز العلاجية المزيفة.
وأحياناً يتعرض الطفل إلى ضررٍ كبير بسبب انكار ذويه للتشخيص واعتقادهم بالأرواح الشريرة أو السحر وغيرها أو اتهام الطفل بالجنون أو التخلف العقلي وبالتالي إهماله وتدهور حالته، فأغلب الأسر عاجزة عن معرفة ما يجب عليهم معرفته من معلومات لرعاية طفلهم المتوحد أو كيف يساعدونه في التغلب على أزمته والخروج منها.
نبذة تاريخية
وللتعرف على هذا الاضطراب لابد من تتبعه تاريخياً فأول من وصف أعراض التوحد وأطلق عليه هذه التسمية هو الدكتور “ليوكانر” عام 1943م وبعده بعام واحد وصف الطبيب النمساوي “هانز اسبرجر” أعراض أخرى للتوحد وأطلق عليه اسمه لاحقاً، قبل ذلك كان التوحد يُعدُّ نوعاً من أنواع الفصام الطفولي.
في عام 1979م قامت الباحثتان “وينج” و”جولد” بوضع ثلاثة معايير خاصة لتشخيص اضطراب التوحد هي القصور اللغوي، قصور التواصل والتفاعل الاجتماعي، وعدم مرونة التفكير.
وفي عام 1983م وُضِعَت معايير جديدة لتشخيص التوحد من قبل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين ضمن “الدليل التشخيصـي والإحصائي للاضطرابات العقلية” وبعد ذلك تم إدخال عدة تغييرات على معايير التشخيص وتم تقسيم الاضطراب إلى أربعة أنواع هي:
1- متلازمة اسبرجر.
2- اضطراب التحطم الطفولي.
3- التوحد الكلاسيكي.
4- الاضطراب النمائي الشامل غير المحدد.
ولكن في آخر تحديث للتشخيص تم إلغاء هذا التقسيم ضمن الإصدار الخامس للدليل التشخيصـي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) في عام 2013، حيث تم تغيير التسمية إلى (اضطراب طيف التوحد)، بعد أن كان يصنف إلى الأنواع الأربعة أعلاه، والتي دمجت مع بعضها.
تعريف اضطراب طيف التوحد
توجد تعريفات كثيرة جداً لاضطراب طيف التوحد لا يمكن حصـرها أو اختيار أحدها لكننا اخترنا أهمها أو أوضحها.
فقد عرّفته منظمة “التوحد يتحدث” بـ: طيف واسع من الحالات التي تتميز بصعوبات في المهارات الاجتماعية مع سلوك تكراري وصعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي.
وعرَّفه مركز السيطرة على الأمراض (CDC) بأنه: إعاقة في النمو يمكن أن تسبب تحديات اجتماعية وتواصلية وسلوكية كبيرة.
وعرَّفه زكريا أحمد الشـربيني بأنه: اضطراب نمائي يعزل الطفل المصاب عن المجتمع دون شعوره بما يحدث حوله من أحداث في محيطه الاجتماعي فينخرط في مشاعر وأحاسيس وسلوكيات ذات مظاهر تعتبر غير عادية يعيشها الطفل بصورة دائمة ومستمرة لأنها الوسيلة الوحيدة لتعبيره عن أحاسيسه ومشاعره بطريقته الخاصة.
وعرَّفه الدكتور سليمان عبد الواحد يوسف بأنه: اضطراب في النمو قبل سن الثالثة من العمر حيث يكون الطفل في انشغال دائم بذاته أكثر من انشغاله بما حوله مع استغراق في التفكير وضعف في الانتباه والتواصل مع نشاط حركي زائد ونمو لغوي بطيء وضعف في الاستجابة للمثيرات الحسية الخارجية مع مقاومة للتغيير في بيئته مما يجعله بحاجة إلى الاعتماد على الغير.
وعرفه آخرون بأنه عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر على كيفية تمييز الشخص المصاب للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي مما يتسبب في حدوث مشاكل في التفاعل والتواصل الاجتماعي ويتضمن أنماط محددة ومتكررة من السلوك.
ويمكن أن نضع له تعريفاً مختصـراً بأنه اضطراب في الإدراك يسبب قصوراً (ضعفاً) في اللغة وفي التواصل والتفاعل الاجتماعي مع حركات وسلوكيات غريبة تمتاز بطابع التكرار، كما يمكننا أن نعرّف التوحد بدقة فنقول انه: “اضطراب في الإدراك تظهر أعراضه عادة قبل السنة الثالثة من العمر فيعاني الطفل نتيجة لذلك من مشاكل في التواصل والتفاعل مع محيطه وقصور في التواصل اللفظي مما يدفعه إلى الانعزال واتخاذ سلوكيات غريبة كاجترار الكلام والحركات والأفعال التكرارية الغريبة”.
ونظراً لأن التوحد يتكون من عدد كبير من الأعراض التي يظهر بعضها ويختفي بعضها الآخر عند بعض المصابين، فكل شخص له أعراضه المختلفة عن الآخر، فقد تم تعديل الاسم إلى (اضطراب طيف التوحد) للإشارة إلى أن الحالة تتكون من طيف واسع من الأعراض التي تختلف شدتها من مريض لآخر، فلا يمكن تحديد حدٍ فاصل بينها، فهي كالطيف.
عزيزي القارئ يمكن التعرف على المزيد من المعلومات من خلال الحصول على نسخة الكترونية (PDF) مجانية من كتابي (اضطراب طيف التوحد: كل ما يجب معرفته) من خلال زيارة الموقع الالكتروني الرائع: